البحر- صراع القوى العالمية ومستقبل النفوذ
المؤلف: سلطان السعد القحطاني10.15.2025

لطالما استدعت الإمبراطوريات، بتكوينها البشري، ذكريات الماضي كلما عصفت بها النوائب وأحاطت بها المخاطر. وهكذا، تستحضر الإمبراطوريات البحرية الغابرة أمجادها السالفة، متوجهة نحو المضائق والبحار الشاسعة، ساعية لترسيخ نفوذها، وتقويض سلاسل الإمداد، وعرقلة قوى عالمية صاعدة تهدد مصالحها. هذا المشهد يتجلى بوضوح في عالمنا المعاصر، حيث تتصارع قوى الشرق الطموحة وقوى الغرب المتشبثة بمواقعها على المسرح الدولي.
في خضم هذا الصراع المحتدم، يتبوأ البحر مكانة محورية، فهو يرجح كفة على أخرى، ويؤثر بشكل كبير في موازين القوى بين المتنافسين. ففي هذا التنافس الشرس بين الشرق والغرب على زعامة العالم، يبرز البحر كساحة مستقبلية حاسمة. تكمن أهمية البحر في كونه مزيجاً فريداً من السياسة والاقتصاد، فهو يمثل شرياناً حيوياً للإمدادات العسكرية، وعصب التجارة العالمية، حيث يمر عبره ما يقارب 80% من حجم التجارة الدولية.
هذه الأهمية القصوى تجعل من البحر عنصراً لا غنى عنه لأي قوة تسعى إلى تثبيت أقدامها في العالم، وذلك من خلال بسط سيطرتها على الممرات البحرية ووضع العالم تحت تأثيرها ونفوذها. فالبحر يمثل ثروة طائلة في أوقات السلم، ومورداً استراتيجياً في أوقات الحرب، وورقة ضغط هائلة في جميع الأحوال.
إن المنافس الأبرز للإمبراطوريات الغربية يتمثل في الصعود القوي للصين، التي أصبحت لاعباً مؤثراً وذا ثقل في الساحة العالمية. وبفضل تفوقها التكنولوجي المذهل، فقد دقت أجراس الإنذار في العواصم الغربية التي تسعى جاهدة للحفاظ على مكانتها الراسخة منذ عقود، وحماية مصالحها المنتشرة في أصقاع المعمورة.
ومع ذلك، لا يمكن إغفال حقيقة أن البحر يظل نقطة ضعف رئيسية للصين، فهي لا تمتلك الإرث البحري العسكري العريق الذي تتمتع به دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، اللتين تعتبران سيدتي البحار منذ قرون طويلة. فمن حيث عدد الحروب البحرية، خاضت الولايات المتحدة حروباً بحرية أكثر بكثير مقارنة بالصين، وذلك نظراً لدورها التاريخي كقوة عسكرية عالمية منذ القرن الثامن عشر، في حين يقتصر تاريخ الصين في الحروب البحرية على الدفاع الإقليمي أو المناوشات المحدودة.
لم تشارك الصين في حروب بحرية عالمية واسعة النطاق خلال القرن العشرين، إذ أن تركيز البحرية الصينية منذ منتصف القرن العشرين انصب على حماية السواحل والمياه الإقليمية، وذلك على الرغم من التوسع الذي شهدته في العقود الأخيرة. وهذا ما يجعل البحر بمثابة معضلة صينية بامتياز، على الرغم من المساعي الحثيثة والمستمرة منذ عقود لتعزيز قوة الأسطول البحري الصيني وتطوير معداته. إلا أن العامل البشري يترك بصمته الواضحة على المشهد، فبينما يمتلك العسكري الغربي تراثاً بحرياً فريداً اكتسبه عبر قرون من الحروب البحرية، فإننا لا نجد ما يماثله على الجانب الصيني.
ولكن ما الذي يضفي على البحر هذه الأهمية البالغة في المشهد العالمي؟ يركز علماء السياسة والاستراتيجية الدولية على الدور الحاسم الذي يلعبه البحر في تشكيل قوة الدول ونفوذها. فمنذ كتابات ألبرت ثاير ماهان في القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا، تعتبر السيطرة على البحار عنصراً أساسياً لتحقيق القوة الوطنية والتأثير الدولي.
ويعتبر سبايكمان (Nicholas Spykman)، أحد أبرز منظري الجغرافيا السياسية، أن المناطق الساحلية المتصلة بالبحر هي مفتاح القوة العالمية.
لقد أثرت نظريات سبايكمان بشكل كبير في استراتيجيات الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة وما بعدها. إذ أن تركيزه على المناطق الساحلية والبحار كان الدافع وراء دعم الولايات المتحدة لتحالفاتها في المحيط الهادئ وأوروبا، وكذلك دورها في حماية الممرات البحرية الدولية.
أكد سبايكمان أن البحر هو الوسيلة الأساسية لتحقيق القوة والنفوذ في العلاقات الدولية. وهذا يعني أن سيطرة الدول على البحار والمناطق الساحلية تمنحها التفوق العسكري والاقتصادي، وتمكنها من التأثير في السياسات الدولية والتحكم في التوازنات الجيوسياسية.
وبدون البحر، تبدو القوة العظمى القادمة... مقيدة الحركة، ومستقبلها محفوف بالشكوك.
في خضم هذا الصراع المحتدم، يتبوأ البحر مكانة محورية، فهو يرجح كفة على أخرى، ويؤثر بشكل كبير في موازين القوى بين المتنافسين. ففي هذا التنافس الشرس بين الشرق والغرب على زعامة العالم، يبرز البحر كساحة مستقبلية حاسمة. تكمن أهمية البحر في كونه مزيجاً فريداً من السياسة والاقتصاد، فهو يمثل شرياناً حيوياً للإمدادات العسكرية، وعصب التجارة العالمية، حيث يمر عبره ما يقارب 80% من حجم التجارة الدولية.
هذه الأهمية القصوى تجعل من البحر عنصراً لا غنى عنه لأي قوة تسعى إلى تثبيت أقدامها في العالم، وذلك من خلال بسط سيطرتها على الممرات البحرية ووضع العالم تحت تأثيرها ونفوذها. فالبحر يمثل ثروة طائلة في أوقات السلم، ومورداً استراتيجياً في أوقات الحرب، وورقة ضغط هائلة في جميع الأحوال.
إن المنافس الأبرز للإمبراطوريات الغربية يتمثل في الصعود القوي للصين، التي أصبحت لاعباً مؤثراً وذا ثقل في الساحة العالمية. وبفضل تفوقها التكنولوجي المذهل، فقد دقت أجراس الإنذار في العواصم الغربية التي تسعى جاهدة للحفاظ على مكانتها الراسخة منذ عقود، وحماية مصالحها المنتشرة في أصقاع المعمورة.
ومع ذلك، لا يمكن إغفال حقيقة أن البحر يظل نقطة ضعف رئيسية للصين، فهي لا تمتلك الإرث البحري العسكري العريق الذي تتمتع به دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، اللتين تعتبران سيدتي البحار منذ قرون طويلة. فمن حيث عدد الحروب البحرية، خاضت الولايات المتحدة حروباً بحرية أكثر بكثير مقارنة بالصين، وذلك نظراً لدورها التاريخي كقوة عسكرية عالمية منذ القرن الثامن عشر، في حين يقتصر تاريخ الصين في الحروب البحرية على الدفاع الإقليمي أو المناوشات المحدودة.
لم تشارك الصين في حروب بحرية عالمية واسعة النطاق خلال القرن العشرين، إذ أن تركيز البحرية الصينية منذ منتصف القرن العشرين انصب على حماية السواحل والمياه الإقليمية، وذلك على الرغم من التوسع الذي شهدته في العقود الأخيرة. وهذا ما يجعل البحر بمثابة معضلة صينية بامتياز، على الرغم من المساعي الحثيثة والمستمرة منذ عقود لتعزيز قوة الأسطول البحري الصيني وتطوير معداته. إلا أن العامل البشري يترك بصمته الواضحة على المشهد، فبينما يمتلك العسكري الغربي تراثاً بحرياً فريداً اكتسبه عبر قرون من الحروب البحرية، فإننا لا نجد ما يماثله على الجانب الصيني.
ولكن ما الذي يضفي على البحر هذه الأهمية البالغة في المشهد العالمي؟ يركز علماء السياسة والاستراتيجية الدولية على الدور الحاسم الذي يلعبه البحر في تشكيل قوة الدول ونفوذها. فمنذ كتابات ألبرت ثاير ماهان في القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا، تعتبر السيطرة على البحار عنصراً أساسياً لتحقيق القوة الوطنية والتأثير الدولي.
ويعتبر سبايكمان (Nicholas Spykman)، أحد أبرز منظري الجغرافيا السياسية، أن المناطق الساحلية المتصلة بالبحر هي مفتاح القوة العالمية.
لقد أثرت نظريات سبايكمان بشكل كبير في استراتيجيات الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة وما بعدها. إذ أن تركيزه على المناطق الساحلية والبحار كان الدافع وراء دعم الولايات المتحدة لتحالفاتها في المحيط الهادئ وأوروبا، وكذلك دورها في حماية الممرات البحرية الدولية.
أكد سبايكمان أن البحر هو الوسيلة الأساسية لتحقيق القوة والنفوذ في العلاقات الدولية. وهذا يعني أن سيطرة الدول على البحار والمناطق الساحلية تمنحها التفوق العسكري والاقتصادي، وتمكنها من التأثير في السياسات الدولية والتحكم في التوازنات الجيوسياسية.
وبدون البحر، تبدو القوة العظمى القادمة... مقيدة الحركة، ومستقبلها محفوف بالشكوك.
